ترتبط روسیا بعلاقات تاریخیة قدیمة مع كافة دول الشرق الأوسط وغرب آسیا، وقد مرّت هذه العلاقات بمراحل متعددة تركت آثارها على مجمل الأوضاع فی هذه المنطقة الحساسة من العالم.
وبعد انهیار الاتحاد السوفیتی السابق فی مطلع تسعینات القرن الماضی وسعی أمریكا للتفرد بالعالم حاولت روسیا استعادة دورها الإقلیمی لاسیّما فی مناطق آسیا الوسطى والقوقاز والشرق الأوسط. وظهر هذا الدور بشكل واضح بعد أحداث ما یعرف ب الربیع العربی فی عدد من دول المنطقة والذی سعت أمریكا لتجییره لصالحها من خلال إشاعة الفوضى عبر الجماعات الإرهابیة التی احتلت أراضی شاسعة فی بلدان عدیدة لاسیّما سوریا والعراق.
وقبل ذلك سعت أمریكا للهیمنة على مقدرات المنطقة من خلال احتلال أفغانستان والعراق فی عامی 2001 و2003، مستفیدة من مزاعمها بشأن محاربة الإرهاب على خلفیة أحداث 11 أیلول/سبتمبر التی طالت برجی التجارة العالمیین فی نیویورك.
وتمكنت روسیا من استعادة دورها الممیز فی المنطقة من خلال دعمها لسوریا والعراق فی محاربة الإرهاب. وتبلور هذا الدور بإرسال قوات عسكریة كبیرة إلى الأراضی السوریة من أجل المشاركة فی ضرب مقرات ومواقع الجماعات الإرهابیة وفی مقدمتها داعش وما یعرف ب جبهة النصرة.
ونجحت روسیا فی تقلیص نفوذ أمریكا فی المنطقة بفعل المشاركة الناجحة لقواتها فی محاربة الإرهاب وذلك من خلال التنسیق مع إیران التی تدعم محور المقاومة الذی یتصدى للمشروع الأمریكی المسمى الشرق الأوسط الكبیر أو الجدید والرامی إلى تمزیق المنطقة والاستحواذ على خیراتها والتحكم بمصیرها.
ونجح الرئیس الروسی فلادیمیر بوتین فی كبح جماح الجماعات الإرهابیة فی عموم المنطقة بشكل ملموس لشعوره بالخطر المحدق الذی یستهدف أمن واستقرار بلاده على ید هذه الجماعات.
وأدركت معظم دول الشرق الأوسط وغرب آسیا أهمیة الدور الروسی فبادرت إلى مد جسور التعاون معها، وعقدت معها معاهدات لشراء الأسلحة وتعزیز التعاون الاقتصادی والتجاری، الأمر الذی قلّص أیضاً من نفوذ أمریكا فی عموم المنطقة.
ومن العوامل الأخرى التی ساهمت فی تعزیز دور روسیا الإقلیمی هو نجاحها فی تقدیم مشاریع سیاسیة ودبلوماسیة لتسویة الأزمات فی المنطقة لاسیّما فی سوریا والیمن، وسعیها كذلك لإعادة توازن القوى فی هذه المنطقة، الأمر الذی حجّم من الدور الأمریكی رغم إصرار واشنطن على تعزیز تواجدها العسكری فی العدید من الدول بحجة محاربة الإرهاب وذلك من خلال تشكیل ما یسمى ب التحالف الدولی الذی أثبتت التجارب أنه لا یهدف سوى لتمریر مشاریع الإدارة الأمریكیة وفی طلیعتها التدخل فی شؤون المنطقة خدمة لمصالحها العسكریة والسیاسیة والاقتصادیة على حساب الدول الأخرى ومن بینها روسیا.
ولایخفى على أحد ما للدور الروسی من أهمیة فی الحدّ من نفوذ واشنطن والعواصم الغربیة الحلیفة لها فی حلف شمال الأطلسی الناتو والتی تسعى للتأثیر على قرارات الدول التی كانت فی السابق ضمن المعسكر السوفیتی فی المنطقة ولكنها تحولت فیما بعد وبدرجة كبیرة إلى المعسكر الغربی بفعل الحروب التی شنّها الناتو بقیادة أمریكا على هذه الدول ومن بینها العراق وأفغانستان. وهذا الدور برز بشكل أوضح بعد أن سعت أمریكا لإقصاء روسیا عن التأثیر فی مجریات الأحداث فی هذه البلدان، الأمر الذی واجهته موسكو بحنكة سیاسیة وحرفیة میدانیة عالیة دون إشعار الآخرین بأنها ترید الهیمنة على مقدراتهم كما تفعل واشنطن.
هذه المعطیات وغیرها جعلت الكثیر من دول الشرق الأوسط وغرب آسیا تتجه نحو روسیا لتدارك ما فات بسبب التدخل الأمریكی من جهة، ووجود الجماعات الإرهابیة التی تهدد أمن واستقرار المنطقة برمتها من جهة أخرى.
وتجدر الإشارة إلى أن روسیا التی تعد من الدول الكبرى فی العالم والدائمة العضویة فی مجلس الأمن الدولی تعتقد بضرورة التواجد فی الشرق الأوسط وغرب آسیا وباقی المناطق لشعورها بأن مساعی أمریكا لحكم العالم فی إطارالقطب الواحد لن تثمر سوى عن مزید من الفوضى واستفحال خطر الجماعات الإرهابیة، وبالتالی فهی ترى نفسها ملزمة بالقیام بهذا الدور للحیلولة دون تفرد أمریكا بالعالم من جانب، ومن أجل تحقیق مصالحها المشروعة بالتنسیق مع الدول التی ترغب بالتعاون معها فی هذا المضمار من جانب آخر.
LINK: https://www.ansarpress.com/english/7994
TAGS: